Thursday, August 27, 2015

الشبابيك برضة قاسية

شبابيك..
كان اول يوم نروح فيه بسنت و انا نعمل ورشة في واحدة من مدارس حيدر اباد.
كان اول يوم نحس اننا لينا فايدة, يعني فعلا فعلا بنعمل حاجة و انبهرنا بالولاد و البنات و بتفاعلهم و ازاي تجاوبوا مع الموضوع.
و احنا راجعين في التوك توك كان الطريق جميل: خضار في كل مكان و بساطة في الطرق, بيوت حلوة وجميلة.
قررت بسنت ساعتها تشارك موسيقاها معايا و لعبت اغنية شبابيك.
أول الاغنية بالموسيقى الهائمة بتاعتها حسسني اننا في مغامرة و ان دي الموسيقى التصويرية بتاعتها.
من يومها شبابيك تعتبر من اغانيَ المفضلة و لما باشغلها مودي بيتغير على طول.
انهاردة كنا في واحد من معسكرات التركيز بتاعة النازيين.
الطريق للمكان جميل , مليان خضرة و بيوت على الطراز الاوروبي جميلة للغاية, حاجة يعني غاية في الحلاوة و الاسترخاء.
مشينا للمكان حوالي 20 دقيقة عشان نوصل للمعسكر اللي فيه النازيين كانوا بيعيشوا حوالي 5 الاف بني ادم ان ماكانش اكتر في ظروف بشعة: من اكل سئ لهايجينية بشعة و معاملة مهينة و الخ من الحاجات اللي درسناها.
كنت داخلة المكان باحساس الشخص اللي قاري و فاهم و خلاص يعني تأثر بما فيه الكفاية ومش هايهزه ريح.
هناك ورونا صور للمكان و لحاجات مختلفة. منها صورة للدكاترة اللي كانوا بيعالجوا الناس. واحد ماسك منشار و شاكوش.
البشع ان اللي كان راسمه كان طفل...
فلك ان تتخيل اي طفولة عاشها.
صور كتير كانت في المكان و انا كنت بابصلها و افتكر كل الحاجات اللي قريتها واربطه بيها.
بعديها بدأنا نتحرك عشان نشوف المكان ذات نفسه.
المكان كئيب و موحش و مليان غربان بشكل يوجع القلب.
اتمشيت مع الناس و على الحيطان صور و ذكريات لناس خاضوا التجربة و كل شوية القلب بيتقبض من بشاعة الموقف و الذكري.
قريت زمان ان لما بيحصل حاجة سيئة في مكان ما, جزء من الناس بيسيبهم و بيسبب ذكري اللي حصل في المكان.
المقصود هنا بالحاجة البشعة ان الناس تموت مثلا بسبب ظروف الشغل البشعة بس بدل ما يتدفنوا, يتحرقوا.
او ان الحراس يحسوا ان مفيش متعة في المكان فيرموا طاقية و يجبروا واحد من المسجونين يجيبها, بس, عشان يلاقي نفسه مصعوق و يموت من الكهربا بسبب ان المكان اللي اترمت فيه الطاقية مكهرب, و ان المساجين و هم رايحين يجيبوا الطاقية عارفين مصيرهم فعلا...
او ان الكوماندور المسئول يحس ان في نقص في الاكل فعشان يلاقي اكل لنفسه و لعيلته يجمع مجموعة من السجناء و يخنقهم بالغاز و بعدين طبعا يحرق جثثهم.
كل الظروف البشعة دي بتسيب اثار في المكان.
كل ده بيسيب آلام الناس اللي مرت بالفعل بالتجربة فبيطلع في شكل طاقة سلبية و قبضة قلب و ضيق نفس و انزعاج و رغبتهم المستميتة في ترك المكان.
في نص الطريق للبيوت الخشب اللي كان بيبات فيها المسجونين بدأ كله يخبطني و يرزعني زي ما اي صاعقة كهربائية ممكن تضرب.
بقسوة و جمود وبرود.
ضربة باردة بعدها بثواني كل الصور للبشعة بتتجمع في راسك و احساس بالوحشة و الكآبة بيقتحم القلب بضراوة.
و مع فتح المنظمين للباب ورؤية اول لمحة للمكان, ادركت اني فعلا طاقتي غير قادرة على تحميل جسمي انه يدخل.
ساعتها بدأت الدموع تنهمر. كمية الاحداث اللي حصلت في المكان بشعة لدرجة لا يقدر روحي و لا جسمي انهم يستوعبوها.
روحي كانت بتقوللي اتكلم مع الناس و الارواح اللي راحت في المكان ده.
مش بالضرورة يفهموني و اكيد مش هايفهموني و مش هاعملهم حاجة بس وددت لو بس شوية من طاقة الاسف وتفهم الحال, توصلهم وقتها. يمكن توصلهم على شكل نسمة هوا او لمحة شمس في عز البرد.
مش هايغير اي حاجة في حياتهم و اوقاتهم الموجعة لكن ممكن يهون بشكل او بآخر.
هنا, طلع صديق من الوفد المصري بيغني شبابيك.
شبابيك
الدنيا كلها شبابيك
و السهر و الحكايا و الحواديت
كلها دايرة عليك

.
السواد اجتاح قلبي.
ومش عارفة لو شبابيك لسة اغنية مفرحة دلوقتي بالنسبة لي و لا لأ...

No comments:

Post a Comment