Monday, April 7, 2014

عن المجلس (1)


كان يوم الجمعة هو يوم البركات. 
و قد بوركت بأبوين صالحين كانا السبب فى ذهابى الى الدروس الفاضلة.
فى هذا اليوم , كان اخى قد رجع من سفره و قد استقبلناه استقبالا حسنا كمثل استقبال سيدى و مولانا لنا فى بيته الكريم فى مثل هذا اليوم.
دلفنا الى بيته المعطر , تفوح منه روائح المسك المعتق و تذكرنى بتلك الرائحة الخفية التى كنت استنشقها لحظة دخولى للروضة الشريفة.
يمتاز بيته الكريم بهذا الطراز الاسلامى المريح للعين و الجسد, فهو بيت زاهد محب , ملئ بالدفء و الاحاطة.
قد دخلنا على سيدى لحظة اقامة الصلاة فصلينا و اتخذنا مكاننا فى المجلس بانتظار حديثه الكريم و قد بدأه شيخنا الجليل بتعريفنا بمريد آخر يأتينا من فرنسا و يتصل بنا عن طريق "سكايب" 
فى نفسى ملأنى سرور, ادرس بالفرنسية و احبها و ها انا اخذ درس علم بها فياللسعادة البالغة و لكنى ادركت بعدها ان القاطن بفرنسا يفهم العربية و يتحدث بها فلم يتخلل درسنا هذا الا بضع الكلمات الفرنسية.
بدأنا المجلس بالذكر و قد قال الحبيب على ان الذكر يمد الانسان بالسلام و الرحمة و البركة و قال الله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" و هى الآية الأكثر قربا لقلبى و قد قال الامام على بأن الذكر من اقوى جنود الارض حين قال" نظرت الي الحديد فوجدته اعظم جنود الارض فوجدت النار تذيب الحديد فقلت النار اعظم جنود الارض .ثم وجدت الماء تطفئ النار فقلت الماء اعظم جنود الارض . ثم وجدث السحاب يحمل الماء فقلت السحاب اعظم جنود الارض. ثم وجدت الرياح تسوق السحاب فقلت ان الرياح اعظم جنود الارض. ثم وجدت الجبال تعترض الرياح فقلت ان الجبال اعظم جنود الارض . ثم وجدت الانسان يتسلق الجبال فقلت الانسان اعظم جنود الارض. فوجدت ان النوم يقعد الانسان فقلت ان النوم اعظم جنود الارض. لكني وجدت ان الهم والغم يذهبوا النوم فقلت الهم والغم اعظم جنود الارض.ثم وجدت ان الهم والغم محلهما القلب ولا يطمئن القلب الا بذكر الله فوجدت ان ذكر الله هو اعظم جنود الارض"
و حين انتهى الذكر , كانت النفوس قد صفيت و ذهب عنها كل ما يشغلها و استقر فى باطنها ذكر الله و استعدت لدخول مجلس العلم متهيئة هادئة.

حدثنا سيدى عن النفس  و كيف ان السبيل للتقوى يكون عن طريق الاستقامة و الورع 
سكت قليلا يحاول ترجمة كلمة الورع و نظر الىَّ مباشرة سائلًا اياى وانا الجاهلة فى حضوره , فنطقت مترددة سائلة  : le peur "؟ 
فابتسم قائلًا بان الورع اقوى و انتقل للمريد البعيد فرد قائلا بانها la crepuscule 
و فى شرح الاستقامة قال مولاى بأن النفس لها ثلاث ملكات , اذا توسط الانسان فيهم بلغ الاستقامة 
و كانت الملكة الاولى هى النطق , فكان اوسطه الحكمة و تطرفه الفضول و قلته الجهل 
اما الثانية فكانت الغضب , و كان اوسطها الشجاعة و تطرفها  التهور و قلتها الجبن 
و الاخيرة كانت الشهوة , فكان اعتدالها العفة و تطرفها الفجور و قلتها الجمود 
و دعوت الله فى سرى ان اصل لاعتدال الثلاثة حتى ابلغ مرحلة الاستقامة و من بعدها التقوى 

و قد ذكر سيدى المريدين و تعدد مراحلهم , فقال ان السالك و هو المبتدأ هو الذى يتقيد فى سلوكه - توقف لحظات مترجمًا الكلمة قائلًا initiation- بالعبارة فهو يأخذها بلا تبرير او تحقق اى justification.
فى ذلك تذكر ما قد مر به حين كان فى فرنسا يتتلمذ على يد مشايخها
كان موريس بوكاى و هو عالم فرنسى يحاول جمع الحقائق العلمية و معرفة التوافق بينها و بين النصوص السماوية, قد اثبت بأن القرءان هو النص السماوى الاكثر تطابقا مع الابحاث العلمية من قوله تعالى : " اليوم ننجيك ببدنك" بعد ان اثبت أن فرعون هو رمسيس الثانى لوجود املاح على جثته تطابق املاح البحر الذى فرقته عصا موسى.
و اسلم بوكاى و علم غيره فى الندوات و الاحاديث 
و قد حضر تلك الندوات زملاء سيدى المريدين فى فرنسا و رجعوا متحمسين يحكون لشيخهم و سيد سيدى ما قاله موريس بوكاى. 
و هنا , يتذكر سيدى جيدًا رد فعل شيخه , حيث قال ساخرًا (: " الحمدلله الحمدلله Merci Dieu ! شكرًا موريس بوكاى لاثبات ان القرءان لا يخالف العلم !
و استطرد قائلًا فى حسرة , Hélas! خسارة , لقد كان سيدى عبد الواحد (شيخه) يحاول انارة شظية وسط ركام-و يقصد  بالشظية العالم المادى الغربى الذى يستدعى وجود أدلة للتحقق من الايمان - بينما عوام المسلمين يؤمنون بلا تحقق مستدلًا ب" و الذين يؤمنون بالغيب")

و قد كان هذا فى شرح السالكين و هم اول درجة فى المريدين 
اتبع سيدى حديثه عن المريدين قائلًا بان الدرجة الثانية منهم هم الواصلين , اولئك على عتبة الوصول للعارفين و تكون درجة التلقى عندهم بالاشارة 
اما عن العارفين الذين وصلوا فدرجة التلقى عندهم هى الحال
و استطرد قائلًا بان المدد ما هو الا مداد على قدر الاستعداد
فلما تغيرت الاحوال و الازمان و لم يعد الاستعداد كما كان , حرم سيدنا محى الدين بن عربى على العامة قراءة كتبه لأنها قد وضعت لدرجة من الدرجات التى سبق و ذكرناها , و يجب من اجل حسن التلقى حسن الاستعداد.
و قد حكى سيدى قصة زعتر برى , موجها حديثه للمريد البعيد و لاصحاب المجلس بأن كان فى الشام تاجر ينادى زعتر برى 
و كان بالطريق ثلاث من المريدين قد اختلفت احوالهم و درجات تلقيهم , فسمع كل منهم ما قاله التاجر بطريقة مختلفة
فالسالك سمع ما يعينه على اكمال مسيرته ( اسع تر برى ) 
أما الواصل فسمعها و هو على عتبة العارفين ( الساعة تر برى ) 
اما عن العارف و قد وصل و عرف و ذاق , فسمعها ( ما أوسع برى ) 

و قد قال سيدى , بأن المريد اذا ما بدأ التبريرات و اصبح بحاجة ماسة للتحققات , فلا يعود مريدًا..
و قد دلل على ذلك بقصة سيدنا موسى و الخضر, حيث قال سيدنا الخضر " هذا فراق بينى و بينك " تباعًا لاسئلة سيدنا موسى طالبًا تبرير الاحداث الثلاثة.
فإذا احتاج المريد لتبريرات تبرر افعال الخالق و حكمته , لا يعود مريدًا...
ف لله فى خلقه شئون لا يعلمها الا هو 

و انتهى المجلس بالذكر و الصلاة على حضرة رسول الله
و قد امتلأت ارواحنا برائحة المسك  الفواحة و اطمئنت قلوبنا بذكر الله و ما تزال تذكره ولا تكتفى ...

ألا بذكر الله تطمئن القلوب 

يا رب علمنا و طمن قلوبنا.

No comments:

Post a Comment