Monday, November 18, 2013

صديقى القمر...



يجذبنى القمر الى النظر اليه اليوم , اراه لامعًا فى الافق البعيد , سارحًا فى ملكوت الله وسط سجادة مليئة بالنجوم
اراه وحيدًا اليوم و قد طغى جماله و نوره على كل الوجود , فأرى السماء ساطعة بضيه الجميل

يصحبنى معه فى رحلتى اليوم. رحلة العودة الطويلة..  
انظر اليه بتمعن كما لو ان ما حولى من ضوضاء قد انقضى و اختفى , انطبع نوره و تضاريسه فى ذهنى , انطبع بوضوح تام حتى لو انى اغمضت عيني لرأيته بوضوح من ينظر اليه

تركت لك يا قمر العنان , خذنى الى حيث تريد.. لا ابغى من هذه الدنيا شيئ , فخذنى حيثما شئت...

*  *  *


ارى بوضوح الغجر يتمايلون , على ضى القمر يرقصون 
اراك يا قمرى على صفحة الماء , واضحًا متجليًا 
اتعرف ما تصنع بهولاء ؟ اتعرف اى جو اخدتنى اليه ؟

ادقق النظر فاراها... تحرك تنورتها يمينًا يسارا .. تدق بيدها على هذه الآله الموسيقية الشبية بالدف محدثة صوت ناعم خافت صارخ ! كيف اجتمعت تلك الصفات فى صوت ؟! اليست متناقضة ؟!

يدخل الغجرى الشاب فيمسك بها و يرقصان فى تناغم بعيد عن العالم , اعينهما حينما تلاقتا, غابتا عن عالمنا...
لربما كان تأثير ضوءك عليهما يا صديقى .
يدوران يدوران , غير عابئين  بالناس حولهما
تتعالى موسيقى الكمان قادمة من مكان ما , فتحملهما الى مغامرة اخرى محركة كل جزئ فيهما شوقًا للتمايل على تلك الانغام

و كما لو انهما تذكرا فجأة من حولهما من بشر , فانضموا اليهم سعداء تاركين بعضهما و اعينهما فى رقصة منفردة مستمرة
تاركين لحناجرهم العنان بصرخات منتشية بضوءك يا عزيز

يدورون فى دوائر لا تتوقف , يدورون فى مزيج عال من البهجة
تهيجهم النار و قربهم من الماء و الحان الموسيقى و... ضوءك يا عزيزى .

*  *  *


متفردًا  يقف  فى القاعة , تدخل عازفته و خلفها عازف كمان
من خلف الستار يقف شاب اسمر حاملًا نايه , اطرب سمعه من الموسيقى الغريبة على اذنه ,راغبًا  بربطها بموسيقاه التى لطالما احب
رفع نايه , استعد لما يمكن ان يصيبه لتطفله على حفلة لم يكن مدعوًا لها فى الاصل
و حينما بدأ ال"هارب" فى الكلام , رد على كل ما يقوله... رد عليه بانغام شرقية 

كما لوان المزيج اطربه , دخل عازف الكمان على استحياء و نعومة 
من ثم اكمل الثلاثة بعضهم البعض و لم يشعر الناى بالغربة 

من الخلف أتى صوت طبلٍ خفيف , أيكون صديقه قد استجاب له اخيرًا و أتى يدخل فى تلك التجربة ؟
فكما لو ان الآلات قد تدربت بمفردها , قادت عازفيها بهدوء و تناغم فى تكوين لحن سحرى لا يعرفه الكثيرون , لحن حملنى للعصور الفرعونية. لربما كان هذا اثر الفلوت الذى اقتحم الحفلة معلنًا حضوره فى ظل وجود منافسه الناى
متحديًا اياه ,حمل الناى انتباهنا لعصر من عزفه نكاد نرى  معاناة الفلاحين وصبرهم.
فجأة اثار دخول الملك,  انقطاع اللحن المفاجئ  واستُبدل باعلان يبجل لحظة دخوله... نظر العازفين الى بعضهم البعض برهة و قد بلغ منهم الخوف مبلغه ,فلم ينبسا بكلمة...

و لكن...
لم يستطع الهارب التوقف ! متمردًا برقة قائلًا "سحقًا !  لن يجعلنى اى انسان مهما كان قدره ان اتوقف !"
اجبر عازفه على الاكمال , فاسرعت اصابعه تنتقل من وتر لآخر , كما لو انه يتنقل بين السحاب 
لم يستطع الناى ان يتوقف و لا يجيب , و أسرع بجذب عازفه الى النفخ فيه و اكمال اللحن 
اكمل الهارب و الناى اللعب معًا لفترة لا بأس بها...
و لكن ,  كما لو ان جو من الريبة و الغرابة قد ساد فى حضور الملك  ,توقفت  الآلات عن العزف فى هدوءٍ حذر.. 

نظر الجمع الموسيقى لبعضه البعض ...
 لم تطل النظرات كثيرًا , فكما لو استمدوا شجاعتهم من بعضهم البعض ,  انطلقوا فى عزف مزيجهم بحماسة بالغة و انتشى العازفين بالموسيقى.

اخذت الطبلة تحرك اجسادهم بضربات هادئة و من ثم دخل الناى بقوة عازمة , فأمد فيهم الحماسة ,  فصاروا يرقصون و يعزفون بحماسة اكبر 
لعبوا الموسيقى كما لو انها سحرتهم , يحرك العازفين اصابعهم يمينًا يسارًا باستمتاع و رقص انتقل للحاضرين 

استمروا كثيرًا و كثيرًا 

و رأيتهم فى اشد فرحتهم حين انعكس ضوءك  يا صديقى على هذا المعبد القديم...

*  *  *


تنطلق الموسيقى بهدوء  ناعم 
فوق هذا المركب المتحرك نقلتنى , اراهما يقفا متباعدين بأعين متشابكة حينما تبدأ الموسيقى , يأخذهما الايقاع الهادئ , فيتقارب الجسدان متمايلان على الانغام

ارى الفتاة الشقراء قصيرة الشعر بتموجات ساحرة و فستان يلائم الموضة المنتشرة فى هذا الوقت , اظنها الفترة الاخيرة من عشرينات القرن الماضى ,  فستان قصير ساحر و ناعم لأبعد الحدود  
 يقف رفيقها و قد لمع شعره فى ضيك يا عزيزى مرتديًا بذلته السوداء طويلة الظهرالغالية ,تتجلى فيه علامات الارستقراطية واضحة , يذكرنى كثيرًا بأنور وجدى بغض النظر ان الفتاة لا تذكرنى على الاطلاق بليلى مراد , بل بنسخة غربية جميلة 

 يحيطها بذراعه و يرتفع صوت المؤدية مصحوبًا بتمايلهما يمينًا يسارًا
غير مباليان بالعالم يكملان رقصتهما 
 كما لو انهما فى عالم موازى خالى من الهموم.. 

نشاهدهما يا عزيزى و تنقلنى اليهما ...

*  *  * 


يمشى عازف الاكورديون فى الشوارع حزينًا و قد ضاع اليوم دون ان يكسب فرنكًا واحدًا
يمشى حانيًا رأسه و قد اكتفى من هذا العالم القاسى ..
يتمنى لو يموت و لا يعانى اكثر , فلقد بالغت الدنيا فى تعذيبها له  

استمع له عازف كمان لم يكن حظه افضل.. و لكنه قرر المشاركة ,
 رفع قوسه و عزف مع الاكورديون لجنًا حزينًا محملًا باكتئاب كبير
شاركه زميل العزف الآخر احزانه المماثلة.
لن يأخذا من هذه الدنيا شئ ,  فليعزفا اذا...

سمعهما آخر , عانى من الازمة الاقتصادية و دخل معهما فى معزوفتهم الحزينة 
 يمشى الثلاثة بمقطوعة مليئة بالأسى و الارهاق فى شوارع باريس... 

لمَ هذا الحزن ؟ 

اطلت  من الشباك عازفة اكسيليفون و قد اصابت قلبها بالحزن و قررت ان تبيده , ضاربة على آلتها , احدثت البهجة التى تناسب جمعًا كهذا !

ينظر عازفنا المسكين الى الجمع الذى كوَّنه بمشيه حزينًا مطأطأ الرأس 
و يبدأ شبح ابتسامة بالظهور على وجهه 
يكمل طريقه و قد بدأ قلبه بالابتهاج 

و هاهى الجموع قد تزايدت و كون وراءه جيش من العازفين وسط ميدان  " دوفين " فى فرنسا 
يدورون حول الميدان بقفزات صغيرة 
 وقد تحولت كآبتهما الى سعادة بفضل المشاركة.

و حينما خفتت الموسيقى ,  
 قررت انت ان تأخنى بين يديك... و تردنى الى عالمى...


 *  *  *


صديقى القمر... كم انا ممتنة لوجودك فى حياتى...

                                                                                                                                                

عزيزى  القارئ , قد كتبت هذا وقت استماعى الى هذه الموسيقى بهذا الترتيب الموضوع .
هل لك ان تغمض عيناك و تستمع لما تلعبه الموسيقى متخيلًا ما قلت ؟
او .. فلتترك لروحك العنان و تستمتع بما يتراءى لك 

عزيزى  القارئ...  كن سعيدًا 

No comments:

Post a Comment